أقام في القاهرة أسبوعين أو أكثر لا يعرف من أمره إلا أنه ترك الريف وانتقل إلى العاصمة ليطيل فيها المقام طالباً للعلم مختلفاً إلى مجالس الدرس فى الأزهر.

فهو يسكن بيتاً غريباً يسلك إليه طريقاً أكثر غرابة يعج بالمارة لا تنقطع منه الضوضاء وتكثر به الحفر والعقبات وتنبعث منه الروائح القذرة وكان سلم البيت قد كسته طبقه من التراب.

لأن الصوت كان غريباً يشعر بالقرب منه بحر خفيف ودخان خفيف يداعب خياشيمه وكان الصوت يثير فى نفسه شيئاً من العجب فكان الأمر بالنسبة للصبى ولربما ظن أن شيئاً غير طبيعي يحدث.

كانت الطريق متعرجة ضيقة تنبعث منها روائح غريبة بغيضة، بها عوائق وأصوات مختلطة مصطخبة، آتية من كل اتجاه: أصوات رجال ، ونساء، وأثقال، وأصوات السقاء والحوذي وعربته وحماره.

لأنه كان سلماً قذراً وكأنه من الطين كما أنه عرف الفجوة التي تؤدى إلى الطبقة الأولى فكان يتركها ويمضى مصعداً حتى يبلغ الطبقة الثانية فكان الأمر بالنسبة له يسيراً لا يحتاج إلى أن يحصى الدرج.

لأنها حبيسة في قفص يبيعها صاحبها لتذهب إلى يد أخرى وقفص آخر والصبى تأثر بحالها، فكلاهما رهين المحبس الببغاء حبيسة القفص، والصبى حبيس العمى وكأن الأيام قد جارت على كل منهما.

يجلس الصبي عن اليسار على حصير عليه بساط قديم وهو مجلسه ومنامه، ويحاذيه مجلس راق لأخيه الشيخ تحته حشية مغطاة وظهره يستند إلى وسائد، يجلس فيه الشيخ وأصفياؤه ويصبح المكان موضع نومه فى الليل.